البعض عدَّها بديلًا للعملات التقليدية.. وآخرون حذروا من خطورتها على سوق المال.. وهناك مخاوف من استخدامها لتمويل الإرهاب
في الثاني من مايو 2016، خرج رجل الأعمال الأسترالي “كريج رايت” على شاشة “بي بي سي” وصفحات مجلتي “الإيكونوميست” و”جي كيو”، واسعتي الانتشار، معلنًا أنه مخترع عملة “بيتكوين” الرقمية، التي طالما ارتبط ظهورها باسم حركي أطلقه مبتكرها على نفسه هو “ساتوشي ناكاموتو”.
وقتها ظن العالم أن هوية مخترع “بيتكوين” باتت معروفةً، خاصةً أن رايت قدم ما ادعى أنه “الدليل التقني” الذي يؤكد مزاعمه، بل وقَّع على “الهواء مباشرة” رسائل إلكترونية مستخدمًا مفاتيح تشفير قال إنه استخدمها لإرسال 10 من البيتكوين إلى خبير التشفير “هال فيني” في يناير 2009 كأول معاملة بعملة بيتكوين، لكن سرعان ما شكك كثيرون في ادعاءات رايت، لنعود إلى المربع الأول، ويبقى مخترع تلك العملة الرقمية الشهيرة مجهولاً.
أما الحقيقة الوحيدة فهي أن “ساتوشي ناكاموتو، سواء كان “رايت” نفسه أو شخصًا آخر ارتضى الحياة في الظل، أو حتى إذا كان مؤسسةً أو كيانًا اقتصاديًّا، ربما لم يخطر بباله يومًا أن التقنية التي اخترعها في عام 2008 وتسببت في وجود الـ”بيتكوين”، ستتطور على مدار 9 سنوات ليتجاوز حجم سوق العملات الرقمية المشفرة 700 مليار دولار.
قصة البلوكشين
في عام 2008، نشر ناكاموتو بحثًا يشرح تقنية “البلوكشين” وطريقة عملها، وكيف ستغير آلية التعاملات المادية حول العالم.
وفي عام 2009، أطلق الشخص نفسه عملة بيتكوين، التي تُعد أول تطبيق فعلي يستند على تقنية البلوكشينالتي اخترعها.
تعتمد تقنية البلوكشين على فكرة اللامركزية، إذ إنها تُمثل دفترًا رقميًّا تشاركيًّا لا مركزيًّا، يُستخدم في حفظ المعاملات الرقمية مثل التعاملات والتحويلات المالية وتخزينها، دون إمكانية إجراء أي تعديلات على المعلومات التي جرى تخزينها، مما يقلل من احتمالية التزوير أو النصب، أو أنها بمعنى آخر “سجل مشترك يخزن المعلومات بطريقة متعددة بين الأطراف المعنية (مرتبطة بشبكة معلوماتية) دون الحاجة إلى سلطة مركزية تتحكم في سير المعاملات المالية، كالبنوك المركزية مثلًا”.
ويتم الحصول على “بيتكوين” باستخدام “فيزا كارد” و”ماستر كارد”، من خلال مواقع عالمية شهيرة مثل موقع “Indacoin”، الذي يمتلك خاصية استخدام اللغة العربية، وموقع “paxful“، الذي يتيح استخدام طرق متعددة للدفع، مثل “التحويلات البنكية” وبطاقات الهدايا من “أمازون وآي تيونز” و”ويسترن يونيون”، إضافة إلى موقع “Coinmama“.
جبل الثلج
يقول تامر أحمد -الخبير الاقتصادي المتخصص في مجال البلوكشين وريادة الأعمال- لـ”للعلم”: “إن البلوكشين هو جبل الثلج الذي لا يزال مختفيًا تحت الماء، ولا يظهر منه على السطح سوى بيتكوين”، مؤكدًا أننا في انتظار ثورة تكنولوجية حقيقية، ترتكز فكرتها على اللامركزية وتوزيع الأدوار بين أشخاص متعددين يثقون بإجراء التعاملات فيما بينهم من خلال تلك التقنية، ما يؤدي إلى إنهاء دور الوسطاء في التعاملات، مثل البنوك وشركات التأمين وشركات التعامل في البورصة وعملاء السمسرة، وفق وصفه.
ويشير أحمد إلى أن استخدام “بيتكوين” في الوقت الحالي استثمار أكثر من كونه عملةً للتداول، مما يؤدي إلى تأرجح سعر عملتها باستمرار صعودًا وهبوطًا، وفقًا لسياسة العرض والطلب.
ويبلغ إجمالي أعداد الـ”بيتكوين” حول العالم 21 مليون عملة، وتختلف قيمتها بالنسبة لقيمة العملات الأخرى من يوم إلى آخر، فمثلاً بلغت قيمة بيتكوين 13203.49 دولارًا وقت كتابة التقرير، والتعامل بها غير قابل للتتبُّع، أي لا يمكن معرفة هوية البائع والمشتري، مما يمنح عملياتها المالية سرية تامة، فهي باختصار عملة رقمية افتراضية مشفرة.
فقاعة قابلة للانفجار
يتم الحصول على “بيتكوين” وبيعها واستخدامها في عمليات الشراء والبيع عن طريق “الإنترنت”، وتختلف عن العملات التقليدية في أنها غير مطبوعة على ورق أو مصكوكة على معدن، والأكثر أنه يُمكن شراؤها وبيعها باستخدام أموال تقليدية، كما أنها ليس لها مراكز جغرافية محددة وموجودة لشرائها، بل يتم ابتياعها عبر مواقع محددة على الإنترنت.
الأكثر من ذلك أن الدخول إلى عالمها ليس عملية معقدة، ولا يستغرق سوى 15 دقيقة وفق ما تشير إليه المواقع المعنية بشرائها وبيعها، يحتاج الشخص فقط إلى إنشاء محفظة إليكترونية من خلال تلك المواقع، وكتابة رقم بطاقته الائتمانية وهاتفه وتاريخ ميلاده، وبعدها تصله رسالة على الهاتف الجوال، تتضمن شفرة من أربعة أرقام، ليصبح العالم المالي كله “ملك يمينه”.
لكن بعض المتخصصين في سوق الأعمال يرون أن “بيتكوين” ما هي إلا فقاعة، ستنفجر قريبًا مثل فقاعة سوق العقارات التي تسببت في أزمة “الرهن العقاري” وأدت إلى انهيار “سوق المال” في عام 2008، في حين يرى آخرون أن العملات الرقمية تمثل تطورًا منطقيًّا لطرق التعاملات المالية، وأنه لم يعد هناك احتمالية لأن تكون فقاعة؛ نظرًا لاعتراف العديد من الشركات والمؤسسات بها، وقبولهم الـ”بيتكوين” كعملةفي مقابل خدماتهم ومنتجاتهم، مثل شركة ميكروسوفت ومطاعم كنتاكي بكندا، والعديد من الشركات الأخرى.
مخاوف أمنية
في الوقت ذاته، هناك تحذيرات ومخاوف عالمية ضد العملات الرقمية، نظرًا لعدم إمكانية تتبُّع معاملاتها، ما حولها إلى عملة أساسية لتعاملات Dark web أو ما يُعرف بـ”الإنترنت المظلم” وتمويل العمليات الإرهابية.
ففي منتصف ديسمبر الماضي، أعلنت وزارة العدل الأمريكية محاكمة امرأة أمريكية من أصل باكستاني، تُدعى “زوبيا شاناز” وتبلغ 27 عامًا، لاتهامها بتحويل أكثر من 85 ألف دولار من العملات الرقمية لصالح تنظيم داعش.
كما صرّح وزير الخزانة الأمريكية ستيفن منوشين، خلال مشاركته مؤخرًا في مؤتمر النادي الاقتصادي بواشنطن، بأن الإدارة الأمريكية تركز على تعقب أنشطة العملات الرقمية حتى لا تتحول إلى نسخة أخرى من “حسابات البنوك السويسرية المجهولة”، وفق وصفه.
ويرى محمد عبد الباسط -مدير الأمن السيبراني وتطوير المشروعات الأمنية في شركة “سيكيوريتي”- أنه يجب الحذر عند إجراء تعاملات هذه العمل عبر منصات التداول، موضحًا أنه “يتم تخزين معلومات التداول الخاصة بها في حلقات البلوكشين، وهي معلومات سرية ومشفرة، لا يمكن الاطلاع على هوية أصحابها، أما منصات التداول فيمكن من خلالها تتبُّع المعاملات وأطرافها، مثل هوية البائع والمشتري وقيمة عملية التداول، وهذا يعتمد على النظام الأمني لكل منصة ومدى قدرتها على الحفاظ على بيانات المتداولين عليها”.