تقنية رخيصة الثمن لاستخلاص وقود الهيدروجين

تطوير عامل حفاز نانوي يمكنه استخلاص وقود الهيدروجين من مياه البحر. التقنية الجديدة تُعَدُّ أقل كلفة وأكثر كفاءة من الطرق المستخدمة حاليًّا.

 
 في خطوة جديدة نحو إيجاد مصدر لوقود نظيف، تمكن فريق من الباحثين بجامعة فلوريدا الوسطى الأمريكية من استحداث طريقة جديدة لتوليد وقود هيدروجيني من مياه البحر.

تُعَدُّ الطريقة الجديدة أقلَّ كلفة وأكثر كفاءة من الطرق المستخدمة حاليًّا، الأمر الذي قد يؤدي إلى طفرة في إنتاج الوقود الهيدروجيني، خاصةً أن غاز الهيدروجين من المركبات الغنية بالطاقة، كما أنه من أكثر العناصر توافُرًا في الطبيعة؛ إذ يوجَد في الماء والمركبات العضوية والهيدروكربونية.

وفق الدراسة المنشورة في دورية إنيرجي& إنفيرومنتال ساينس، طور الباحثون مادة هجينة، عبارة عن غلالة رقيقة من ثنائي أكسيد التيتانيوم تضم تجاويف نانوية مغطاة برقائق نانوية سمكها ذرة واحدة من ثاني كبريت الموليبدينوم، بحيث تعمل تلك المادة كعامل محفِّز يحوِّل الضوء إلى طاقة تُستغَل في توليد الهيدروجين من المياه.

ويُعوَّل على استخدام غاز الهيدروجين كوقود نظيف؛ إذ إن احتراقه ينتج عنه بخار الماء، لذا فهو غير ملوِّث للبيئة على الإطلاق. بجانب أنه أكثر كفاءة، إذ إن الطاقة التي ينتجها كيلوجرام واحد من الوقود الهيدروجيني النظيف تساوي الطاقة الناتجة عن 2.8 كيلوجرام من وقود الجازولين الأحفوري الملوِّث للبيئة.

بالإضافة إلى ذلك، يُعَدُّ الوقود الهيدروجيني ناقلًا مثاليًّا للطاقة، ما يعني أنه يمكن استخدامه بسهولة وسيطًا لتخزين الطاقة ونقلها، لذلك تسعى العديد من الحكومات والشركات إلى تعميم استخدامه، وقودًا نظيفًا اقتصاديًّا آمنًا.

الجدوى الاقتصادية والبيئية

تكمن مشكلة الهيدروجين في أنه لا يوجَد بشكل طبيعي على كوكبنا في صورة غاز منفرد، لذا فإن التحدي الأساسي أمام استخدامه وقودًا يتمثل في كيفية استخلاصه من تلك المركبات التي يوجَد بها، كما تتسم الطرق الحالية لاستخلاصه بعدم جدواها الاقتصادية والبيئية أيضًا؛ إذ يُستخلَص من المركبات الهيدروكربونية –على رأسها الغاز الطبيعي– عبر طريقة تسمى “إعادة التشكيل”، كما يُستخلَص من الماء باستخدام “التحليل الكهربائي”، وهو ما يستهلك كميات كبيرة للغاية من الطاقة الكهربائية، مما يقلل من جدوى هذه الطرق.

لنحو 10 سنوات، عكف “يانج يانج” -الأستاذ المساعد بمركز تكنولوجيا علم النانو وقسم علوم وهندسة المواد بجامعة فلوريدا الوسطى- وفريقه البحثي على تلافي تلك المشكلات، من خلال استخدام “عامل حفاز ضوئي”، يمكنه استخدام الطاقة الضوئية القادمة من أشعة الشمس؛ للحصول على غاز الهيدروجين من الماء.

تشير الدراسة إلى أن أهم ما يميز ذلك العامل أنه يمكنه استخلاص الهيدروجين من ماء البحر، خاصةً أن معظم العوامل الحفازة الضوئية التي تم تطويرها من قبل يمكنها عمل ذلك باستخدام الماء النقي فقط. مما جعل تطبيق تلك التقنيات على أرض الواقع محدودًا للغاية؛ إذ إن عملية تنقية المياه لتهيئتها لتوليد الوقود الهيدروجيني أمر مكلف اقتصاديًّا. لكن العامل الحفاز النانوي الجديد يستطيع تحمُّل الظروف القاسية من ملوحة الماء، أو حتى وجود كائنات حية دقيقة بالماء الذي يجري استخلاص الهيدروجين منه.

مصادر مجانية

يقول يانج في تصريحات لـ”للعلم”: “إن كلًّا من مياه البحر وضوء الشمس متوفر بشكل مجاني، مما يجعل تلك التقنية بمنزلة طفرة ثورية في الطاقة المتجددة، مقارنةً بتقنية استخلاص الهيدروجين من المياه الموجودة حاليًّا؛ فهي توفر حلًّا مستدامًا لإنتاج الوقود الهيدروجيني، وبتكلفة أقل بسبب توافر ماء البحر وعدم وجود حاجة إلى معالجته وتنقيته لاستخلاص غاز الهيدروجين منه”.

ويشير إلى أنه “بالإضافة إلى ذلك، فإن العامل الحفاز الجديد يستطيع استغلال الطاقة الضوئية استغلالًا أكثر كفاءة وفاعلية؛ إذ يمكنه توليد الطاقة من مدى واسع من ضوء الشمس يضم الأشعة فوق البنفسجية والضوء المرئي والأشعة تحت الحمراء، وبالتالي تزداد كفاءته إلى الضِّعف لدى مقارنته بالعوامل الحفازة الضوئية المستخدمة حاليًّا، التي لا يمكنها توليد الطاقة من الضوء المرئي الذي يمثل قرابة 43% من الطيف الشمسي”.

مستقبل واعد

يعلق على ذلك في تصريحات لـ”للعلم” تيتسورو ماجيما -الباحث بمعهد البحث العلمي والصناعي بجامعة أوساكا، باحث غير مشارك بالدراسة، لكنه يرأس مجموعة بحثية تُجري أبحاثًا في مجال استخلاص وقود هيدروجيني من الماء باستخدام الطاقة الشمسية- قائلًا: “إن تطبيقات استخدام العوامل الحفازة الضوئية من ثنائي أكسيد التيتانيوم الموجودة حاليًّا محدودة؛ بسبب ضعف قدرتها على توليد طاقة من الضوء المرئي، إلا أن التقنية الجديدة تفتح الباب أمام توليد الطاقة من مدى أوسع من الضوء، وقد يؤدي هذا إلى مستقبل واعد في إنتاج الوقود الهيدروجيني”.

يوضح ماجيما أن المعوِّقات الرئيسية التي تواجه استخدام العوامل الحفازة الضوئية في استخلاص الهيدروجين من المياه تتمثل في التكلفة العالية للتحضير والاستخدام، بجانب قلة الكفاءة والاستقرار على المدى الطويل تحت ظروف قاسية، مضيفًا أن “هذا هو بالضبط ما تلافته التقنية الجديدة؛ إذ إنه سهل التحضير ورخيص الثمن، كما أنه أكثر كفاءة من سابقيه في استغلال طاقة الشمس، بجانب هذا فإنه أكثر استقرارًا وتحملًا للظروف القاسية؛ إذ يمكن استخدامه في مياه البحر، الأمر الذي يجعل من إنتاج الوقود الهيدروجيني بتلك التقنية أقل كلفة وأكثر جدوى اقتصاديًّا”.

ويسعى الفريق البحثي بجامعة فلوريدا الوسطى إلى تحويل اكتشافهم “الثوري” إلى منتج تجاري لتوليد الوقود الهيدروجيني من مياه البحر؛ إذ يقول “يانج”: “هناك العديد من الشركات تواصلت معنا في هذا الصدد. ونحن واثقون بنجاح تحويل تقنيتنا إلى منتج تجاري في أقرب وقت، إذا توافر الدعم المالي اللازم لمواصلة أبحاثنا”.