دفع التطور التكنولوجي العالم نحو المزيد من الانفتاح، فاتسع الحيز العام، وتقلص الحيّز الخاص، وتغلب الإنسان على الحدود الجغرافية ببناء علاقات افتراضية عبر شبكة الإنترنت، وكما في العالم “الواقعي” هناك حاجة دائمة لتنظيم العلاقات بين البشر، وحفظ أمنهم، وحماية ممتلكاتهم من الانتهاكات، أصبحت الحاجة للأمن الإلكتروني أولوية، في الوقت الذي يعتمد فيه الإنسان والمجتمع والدول على الوسائل التكنولوجية لتسيير كافة أمورهم.
ومن هنا وضعت مصطلحات من قبيل “أمن العالم الافتراضي” أو “أمن السايبر”، وعليه أصبح هناك “الجريمة إلكترونية”، و”الحرب إلكترونية” تدور بين أنظمة ودول وجماعات وأفراد، لتعطي شكلاً جديداً غير تقليدي للحروب، فسلاحها إلكتروني، ولا تسيل الدماء بشكل مباشر، لكنها لا تقل خطورة عن الحرب التقليدية بالأسلحة والمعدات العسكرية المحسوسة.
إذن ما هو أمن السايبر؟
هو مجموعة من الأدوات التكنولوجية، والعمليات، والممارسات المصممة لحماية الشبكات والحواسيب والبرامج والبيانات من أي هجوم، أو ضرر، أو اختراق غير مصرّح به، ويقسم المجال إلى عدة عناصر، وهي أمن التطبيقات، وأمن المعلومات، وأمن الشبكة، إلى جانب قسم معالجة الكوارث، وتثقيف المستخدمين، وتعمل جميع هذه الأقسام بالتنسيق مع بعضها لحماية المستخدم، سواء كان فرداً، أو شركة، أو دولة، من الاختراقات التي قد تعطل عمله، أو تكشف معلوماته، أو تدمّرها.
ولهذا الغرض أسس عدد كبير من الشركات التي توفر خدمات الأمن الإلكتروني لشركات أخرى، أو لأفراد، أو لمؤسسات حكومية مدنية وعسكرية، ويزداد عدد هذه الشركات مع الوقت لازدياد الحاجة لهذا النوع من الخدمات، خاصة مع التكلفة الباهظة التي يجب على كل شركة دفعها مقابل توظيف موظف ثابت ومتخصص بالأمن الإلكتروني والمعلوماتي، وعليه أصبح من الأوفر تلقي الخدمات عند الحاجة من شركات متخصصة.
الجريمة الإلكترونية وحروب السايبر
وضع مجال الأمن الإلكتروني مصطلحات جديدة؛ مثل “التخريب السيبراني“، وهو إلحاق الضرر بموقع إلكتروني يمتلكه شخص آخر، إلى جانب “الجريمة السيبرانية“، وهي سرقة الممتلكات الفكرية التابعة لآخرين، أو الابتزاز تحت التهديد، أو النصب والاحتيال بهوية مسروقة، أما الإرهاب الإلكتروني فهو اختراق الحواسيب، والتحكم بها عن بعد بشكل يؤدي إلى كارثة، مثل اختراق حواسيب الطائرات، وتحطيمها، أو اختراق أجهزة المنشآت النووية وتعطيلها.
ومن هنا جاء مصطلح “حرب السايبر“، وهي الهجمات المتبادلة بين الدول، أو المؤسسات التي يعادي بعضها بعضاً، إذ تحاول كل منها مهاجمة نظم اتصال الأخرى، والسيطرة عليها، أو تعطيل سير الحياة فيها عن طريق ضرب العصب الإلكتروني للدولة، وبالتالي عرقلة كل العمليات المعتمدة على وجود الحاسوب أو شبكة الإنترنت.
وانعكست أهمية الأمن الإلكتروني وضرورة توفير السبل والأدوات اللازمة للحفاظ عليه على الخطط المالية، وتقسيمات الميزانية لدى الدول، إذ تزداد حول العالم الميزانيات السنوية المخصصة لحماية الأمن الإلكتروني للدول، ويبدو ذلك منطقياً، في الوقت الذي أصبحت الدول تنتقل في المجال العسكري من الأسلحة والمعدات التقليدية إلى النظم العسكرية الذكية التي تعتمد بشكل أساسي على الحاسوب والشبكة.
وفي هذا السياق ذكرت صحيفة فوربس في تقرير سابق هذا العام، إن مجموع الصرف العالمي في سوق الأمن الإلكتروني بلغ 75 مليار دولار عام 2015، وإن هذا المبلغ سيرتفع إلى 101 مليار عام 2018، فيما سيتخطى عتبة الـ 170 مليار دولار عام 2020.