الولايات المتحدة تبدي تخوفها من تطور التكنولوجيا الفضائيَّة لروسيا والصين
كعادتها في كل سنة، تقوم دائرة الاستخبارات الوطنية (DNI) بإصدار تقييمها للأخطار العالمية للمجتمع المخابراتي الأمريكي. تقرير هذه السنة، تضمن تقييم الأخطار المتوقعة على الأمن القومي الأمريكي، وذكر كذلك توصياته حول الوضع. وفي السنوات الأخيرة الماضية، تضمَّنت التقارير تحذيرات حول: تطور وتكاثر الأسلحة، الحروب الجهوية، الاتجاهات الاقتصادية، الإرهاب والهجمات الإرهابية الإلكترونيَّة.
أمَّا فيما يخص آخر تقرير للمنظمة الصادر في 8 فبراير 2018، فقد كان مزيجًا فعليًا من التحذيرات. فمن بين الأخطار الكثيرة المتوقعة على الأمن القومي، شدَّد الكُتَّاب على التطورات العديدة التي حصلت في الفضاء.
حسب هذه التقديرات، توسع الصناعة الفضائيَّة، والشراكة المتنامية بين القطاعين العام والخاص، ونمو التكنولوجيا الفضائيَّة لعدة دول، قد يعتبر خطرًا على الأمن القومي الأمريكي.
وبشكلٍ طبيعي، كانت كل من الصين وروسيا أبرز الجهات التي حذَّر منها التقرير. إذ اعترف أن هاتين الدولتين ستكون لهما اليد العليا في قيادة استطلاع الفضاء، وتوسيع آليات الاتصال والسفر الفضائيّين.
هذا الأمر لن يقوم بتفعيل قدراتهما (وقدرات حلفائهما) عند الحديث عن البحوث الفضائيَّة فحسب، بل سيكون له تداعيات عسكريَّة.
ومن القسم المعنون “الفضاء وضد الفضاء” ضمن التقرير، نقتبس:
“التوسع المتواصل للصناعة الفضائية العالمية سيؤدي إلى توسع القدرات الفضائيَّة ووعي النظر في للحكومات والمنظمات غير الحكومية والمتعاملين الفضائيّين الاقتصاديين خلال السنوات القادمة، وذلك بفضل التوفر المتصاعد للتكنولوجيا، المستثمرين الخواص، والشراكات الدولية للإنتاج والعمليات… سيحصل كل الفاعلين على خدمات معلوماتيَّة مستمدة من الفضاء، مثل التصوير، الطقس، الاتصال، تحديد المواقع، الملاحة والتوقيت لأغراض إستخباراتيَّة، عسكريَّة، علميَّة أو اقتصادية.”
ويظهر بعدٌ مفتاحي لهذا التطور في القسم المعنون “التكنولوجيا المستجدة والمدمرة”، الذي يعالج كل الأمور من تطوير الذكاء الإصنطاعي وتكنولوجيات الانترنت إلى الصناعات الإضافية والمواد المتقدمة.
باختصار، المعضلة حسب التقرير لا تكمن في تطوير صواريخ ومركبات فضائيَّة جديدة، بل أيضًا في الفوائد التي تنتج عن المواد الأخف والأرخص وسرعة إنتاج ومشاركة المعلومات.
حيث يتضمن التقرير : “التكنولوجيا المستجدة والتطبيقات الجديدة للتكنولوجيا المتوفرة ستسمح أيضًا لمنافسينا بتطوير نظم أسلحة بإمكانها ضرب أهداف أبعد، بشكلٍ أسرع وأقوى، ومنافسة الولايات المتحدة في مجالات الحرب، بما في ذلك الفضاء.”
بشكلٍ خاص، الأسلحة المضادة للأقمار الصناعية (ASAT)، حيث تم اعتبارها كأكبر خطر. حسب التقرير، فهكذا أسلحة لها القدرة على تقليص الكفاءة العسكرية لأمريكا وحلفائها عبر التشويش على الاتصالات العالميَّة، الملاحة والتنسيق بين الدول والمؤسسات العسكريَّة.
قد تكون هذه الأسلحة مدمرَّة، في شكل صواريخ مضادة للأقمار الصناعيَّة، أو كذلك كنبضات كهرومغناطيسيَّة غير مدمرَّة (EMP). و في هذا السياق أورد التقرير:
“نقدّر أنه في مواجهة مستقبليَّة تتضمن مشاركة روسيا أو الصين، ستبرر كل من الدولتين الهجمات على الأقمار الصناعية لأمريكا وحلفاؤها كضرورة وكموازنة لأي تفوق يحصل عليه الجيش الأمريكي من خلال الأنظمة الفضائيَّة العسكريَّة، المدنية والتجارية. الإصلاحات العسكريَّة في كل من الدولتين تشير إلى تركيز متصاعد على تأسيس قوى عملاتيَّة مصممة للقيام بهجمات ضد الأنظمة الفضائيَّة وعمليَّات عسكريَّة في مجالات أخرى.”
ويتوقع كُتَّاب التقرير أيضًا وصول الأسلحة الروسية والصينيَّة المضادة للأقمار الصناعية للقدرة التطبيقية خلال سنوات قليلة.
لهذه النهاية، يشيرون إلى التغييرات الحديثة في جيش تحرير الشعبي ــ الجيش الصيني ــ، التي تسعى إلى تكوين وحدات جديدة في الجيش تخوض تدريبات في عمليات مضادة للفضاء وتطوير صواريخ مضادة للأقمار الصناعية تطلق من الأرض.
وفي الوقت الذي يجهل فيه القائمون على التقرير قدرات روسيا على شن حرب مضادة للأقمار الصناعية، يتوقعون أن نفس الترتيبات قد اتخذت من الجانب الروسي كذلك.
من جهة أخرى، ركزَّ التقرير كذلك على تطوير الأسلحة الموجهة طاقويًّا، من أجل تعمية أو إلحاق الضرر بأجهزة الاستشعار البصرية الفضائيَّة.
هذه التكنولوجيا تشبه تلك التي قامت الولايات المتحدة بالتحري حولها منذ عدة عقود من أجل الدفاع الإستراتيجي ضد الصواريخ ــ أو مبادرة الدفاع الإستراتيجية (SDI).
ولا يمكن استخدام هذه الأسلحة لنسف الأقمار الصناعية بالمعنى الحقيقي للأمر، إلّا أنه بإمكانها تعمية أو إلحاق الضرر بأجهزة الاستشعار البصرية الفضائيَّة.
علاوة على ذلك، يشير التقرير إلى مواصلة كل من روسيا والصين للنشاطات المدارية وإطلاق الأقمار الصناعية التي يقال أنها “تجريبيَّة”.
وكمثالٍ جيد على ذلك، الاقتراح التي تقدّم به باحثون مؤخرًا من كلية المعلومات والملاحة في الجامعة الصينية لهندسة القوات الجوية الصينية.
حيث دعا الباحثون في الدراسة التي قامت بتفصيل اكتشافاتهم إلى استخدام نبض ليزر عالي الطاقة بإمكانه تدمير النفايات الفضائية.
بينما يعترف التقرير بإمكانية وجود تطبيقات سلمية لهذه التكنولوجيا ــ من مراقبة الأقمار الصناعية إلى إعادة تزويدها بالوقود وعمليات الإصلاح ــ لكن بإمكانها أن تستخدم ضد المركبات الفضائية الأخرى كذلك.
الولايات المتحدة كانت تبحث في هذه التكنولوجية لعقود حتى الآن، والوجود المتصاعد لروسيا والصين يهدد بالإخلال بهذا التوازن على مستوى القوى.
إضافة إلى ذلك، توجد ثغرات في الإطار القانوني الحالي ــ المشار إليه في معاهدة الفضاء الخارجي ــ ويعتقد التقرير وجود نوايا لكل من روسيا والصين باستغلالها:
“تواصل روسيا والصين بالإشهار والدعاية الدبلوماسية للاتفاقيات الدولية حول عدم تسليح الفضاء… رغم ذلك، العديد من أنواع الأسلحة لا تتضمنها تلك الاتفاقيات، مما يسمح لهم بمواصلة عملهم على تطوير قدراتهم الحربية الفضائية في حين يقومون بالدعاية للإبقاء على الفضاء كمكانٍ آمن.”
على سبيل المثال، تشدد معاهدة الفضاء الخارجي على منع وضع أسلحة الدمار الشمال في مدارٍ حول الأرض، على القمر، أو أي جرم سماوي آخر في الفضاء الخارجي عمومًا.
وحسب التعريف، تعتبر تلك الأسلحة أجهزة نووية، لكنها لا تمتد إلى الأسلحة التقليدية الموجودة في المدار.
وهذا يفسح المجال لاستخدام منصات مضادة للأقمار الصناعية أو أية أسلحة فضائية تقليدية أخرى يمكن اعتبارها خطرًا كبيرًا.
وبعيدًا عن روسيا والصين، يشير التقرير أيضًا إلى تطور قدرات إيران في تكنولوجيا الصواريخ قد يشكل خطرًا في نهاية المطاف.
كما هو الأمر في البرنامجين الفضائيّين الأمريكي والروسي، التطورات في الصواريخ الفضائية والصواريخ الباليستية العابرة للقارات تعتبر مكملة لبعضها البعض:
“برامج إيران للصواريخ الباليستية تمنح لها إمكانية تعريض أهداف كثيرة للخطر عبر المنطقة، وتمتلك طهران أكبر مخزون للصواريخ الباليستية في الشرق الأوسط حاليًا. رغبة طهران في ردع الولايات المتحدة قد يقودها إلى دخول مجال الصواريخ الباليستية العابرة للقارات. تقدم برنامج إيران الفضائي، مثل إطلاق صاروخ سميرغ SLV في يوليو 2017، بإمكانه اختصار المسار لتطوير صواريخ باليستية عابرة للقارات لأن أجهزة الإطلاق الفضائية تستخدم نفس التكنولوجيا.”
قام التقرير بذكر بعض من التقديرات المتوقعة. وبالنظر إلى تنامي قوى الصين وروسيا في الفضاء، من الطبيعي أن تنظر إليه دائرة الاستخبارات الوطنية كتهديد متوقع. لكن هذا لا يعني أن يتوقع المرء سلوكًا تحذيريًا شديدًا. فعندما يعود الأمر إلى تقدير التهديدات، يجب وضع كل الاحتمالات في الحسبان.
فإذا كان التاريخ قد علمنا شيئا، فسيكون بدون منازع أن التقديرات والحقيقة هما أمرين مختلفين تمامًا.