«ستيفن هوكينج» يرتحل عن عالمنا حاملًا معه “نظرية توسع الكون”

لم ينجح المرض -الذي حوَّل هوكينج إلى شخص “مشلول الحركة”، عاجز عن التنقل بحُرِّية من مكانٍ إلى آخر- في إعاقته عن مواصلة رحلته العلمية

 

Credit:

Public Domain/ NASA

قبل 55 عامًا، توقع الفريق الطبي المتابع لحالة عالِم الفيزياء النظرية البريطاني الشهير «ستيفن هوكينج»، وفاته من جَرَّاء إصابته بمرض التصلب الضموري الجانبي، لكن شجاعته ومثابرته وتألقه العلمي، إضافةً إلى ما كان يتمتع به من روح الدعابة، كانت من أهم الأسرار التي ساعدته على متابعة حياته، غير عابئ بمرضه، كما كانت مصدرًا لإلهام البشر في جميع أنحاء العالم.

اشتهر هوكينج -الذي رحل عن عالمنا فجر اليوم الأربعاء عن عمر ناهز الـ76- بأعماله العلمية الرائدة، فيما يتعلق بالثقوب السوداء ونظرية النسبية، وكانت له أبحاث نظرية في علم الكون والعلاقة بين الثقوب السوداء والديناميكا الحرارية، كما ألف عدة كتب علمية، ذاع صيتها، لعل أشهرها كتاب “تاريخ موجز للزمن”.

وُلد هوكينج في 8 يناير 1942 بمدينة أكسفورد الإنجليزية، التي تبعد عن العاصمة لندن بحوالي 90 كيلومترًا، حيث اضطر والده، أخصائي الأحياء المتقاعد، إلى الانتقال بأسرته للإقامة فيها هربًا من الغارات الألمانية التي ضربت العاصمة البريطانية في أثناء الحرب العالمية الثانية. والتحق بجامعة أكسفورد لدراسة العلوم الطبيعية في عام 1959، وبعد حصوله على درجةٍ أكاديمية في الفيزياء من أكسفورد، انتقل إلى كامبردج لإكمال دراسته في علم الكونيات (الكوزمولوجيا).

 

في أثناء إعداده لأطروحة الدكتوراة في مجال الفيزياء الكونية في عام 1964، بدأت أعراض مرض العصبون الحركي (التصلُّب الجانبي الضموري) تظهر على قسمات وجهه، مصحوبةً بصعوبةٍ في التحرك تظهر على مشيته التي طالما كانت سريعةً وتتسم بالنشاط والحيوية، وكلماتٍ متلعثمة تخرج من فمه بدلًا من عباراته المنمقة الأنيقة.

لم ينجح المرض -الذي حوَّل هوكينج إلى شخص “مشلول الحركة”، عاجز عن التنقل بحُرِّية من مكانٍ إلى آخر- في إعاقته عن مواصلة رحلته العلمية؛ ففيما يشبه “مصارعة الجبال”، نجح في قهر المرض والسيطرة عليه، ضاربًا عرض الحائط بنبوءات الأطباء بأنه “لن يعيش سنتين أو ثلاث سنوات بحد أقصى”؛ إذ كان تطوُّر المرض أبطأ من توقعات المعالجين.

نبوءة دفعت زوجته الأولى “جين وايلد” لتحويلها إلى قصةٍ شقت طريقها إلى عالم “هوليوود” في 2014، من خلال الفيلم الشهير “The Theory of Everything” أو “نظرية كل شيء”، الذي أخرجه “جيمس مارش” في تجربته الإخراجية الخامسة.

كانت ابتسامة هوكينج أقوى من دموع رفقائه، الذين أطلقوا عليه لقب “أينشتاين”، وفق ما يقوله في كتابه “تاريخي المصغر“، مثلما كانت رغبته في مواصلة مشواره العلمي أشدَّ شراسةً من المرض ذاته؛ فبعد عامين فقط من إصابته بالمرض، تحولت نبوءة “الموت” التي تبناها الأطباء إلى “حياة جديدة”، إذ حصل هوكينج على شهادة الدكتوراة في علم الكون من جامعة كامبريدج في عام 1966.

وهي الرسالة التي صاحَبها قدر كبير من الاهتمام على الصعيدين العلمي والشعبي؛ إذ سجلت أكثر من مليوني قراءة في غضون أيام قليلة من عرضها أمام الجمهور عبر الإنترنت في أكتوبر من العام الماضي، ما أدى إلى تعطل قسم النشر بالموقع الإلكتروني لجامعة كامبريدج، خاصة أنها كانت المرة الأولى التي يُتاح فيها للجمهور الحصول على أطروحة الدكتوراة الخاصة بـ”هوكينج” كاملةً دون الحاجة إلى دفع 65 جنيهًا إسترلينيًّا لمكتبة الجامعة، من أجل تصوير نسخة من الرسالة، أو الذهاب لقراءتها بأنفسهم في المكتبة.

انتهى هوكينج من أطروحته للدكتوراة، التي تحمل عنوان “خصائص الكون المتوسع”، قبل أن يتم عامه الـ24، ودرس فيها الآثار والنتائج المترتبة على توسع الكون، وهي الأطروحة التي ساعدت في إطلاق مسيرته المهنية، وشكلت حجر الأساس لسمعته باعتباره أحد أشهر العلماء في العالم.

ذهب هوكينج في أطروحته إلى أن نظرية الانفجار العظيم ممكنة، وأنها لم تعد مجرد معادلات رياضية تم استنتاجها من معادلات طورها علماء الفيزياء لوصف احتمالات تكوُّن الكون، إذ تقوم فكرتها على أن “الكون كان فيما مضى عبارة عن نقطة واحدة شديدة الكثافة، فانفجرت، وتمدَّد الكون، وأنه ما زال في حالة تمدُّد مستمرة”.

لم تكن أطروحة هوكينج للدكتوراة مصدر ثرائه العلمي الوحيد، ففي عام 1971، أصدر نظريته التي تُثبت -رياضيًّا، وعبر نظرية النسبية العامة لأينشتاين- أن الثقوب السوداء أو النجوم المنهارة بسبب الجاذبية هي حالة تفردية في الكون، “أي أنها حَدثٌ له نقطة بداية في الزمن”، وفي عام 1974، أثبت نظريًّا أن الثقوب السوداء تصدر إشعاعًا، على عكس كل النظريات المطروحة آنذاك، وسمي هذا الإشعاع باسمه “إشعاع هوكينج”، كما طور مع معاونه (جيم هارتل، من جامعة كاليفورنيا) نظرية اللاحدود للكون، التي غيَّرت من التصور القديم للحظة الانفجار الكبير عن نشأة الكون، إضافةً إلى عدم تَعارُضها مع أن الكون نظام منتظم ومغلق.

وفي عام 1988، نشر كتابه “تاريخ موجز للزمن“، وهو الكتاب الذي قدم من خلاله ظروف نشأة الكون، بدايةً من تناوُل مختلف النظريات والأفكار المفسِّرة لنشأة الكون ووصف لحظاته الأولى، وانتهاءً بانسياب الزمن، وكان أهم ما ميَّز الكتاب احتواءه على أشكال وصور توضيحية تُعلي من قدرة القارئ على الاستيعاب وفهم مختلِف الشروحات المقترحة في الكتاب.

وفي عام 2001، أصدر كتابه “الكون في قشرة جوز“، الذي قدم فيه الكون على أنه يبدأ في شكل كُريَّة مفلطحة في أجزاء منها، تشبه قشرة الجوز في حجمها وشكلها، مدعومًا بالصور التوضيحية التي تكشف المبادئ الأساسية التي تحكم الكون وما فيه من القوى الأساسية، أي القوى الكهرومغناطيسية والنووية، مبينًا أن الحقائق العلمية كثيرًا ما تبدو أكثر غرابةً وتشويقًا من روايات الخيال العلمي.

وفي عام 2010، كان العالم على موعد مع كتابه “التصميم الكبير“، الذي كتبه بالتعاون مع ليوناردو ملودينو، وهو الكتاب الذي أثار حالةً جدليةً كبيرةً فيما يتعلق برؤيته لنشأة الكون، ثم كانت نظريته حول الثقوب السوداء، التي ذهب فيها إلى أن هذه الثقوب قد تقود إلى أكوان أخرى، وأنها ليست “سوداء”، كما يتم وصفها، أو “سجنًا أبديًّا” كما كان يُعتقد، موضحًا أن “المعلومات المفقودة في الثقوب السوداء يمكن أن تتحول إلى شكل من أشكال الهولوغرام، أو أن تنبثق إلى كونٍ آخر بديل”.

لم تكن رحلة “هوكينج” سوى جزء من محاولات لا تنتهي لـ”السفر إلى الفضاء”، وهي محاولات ربما عكست -ولو في قدر قليل منها- أملًا في التحرر من ذلك الكرسي الذي ظل أكثر من أربعة أخماس عمره أسيرًا لعجلاته المتحركة.

اقرأ في الموقع