سباق تقني للوصول إلى أفضل خيارات الطاقة البديلة

تُعَد الطاقة الشمسية أحد أهم خيارات الطاقة البديلة، ما يدفع العلماء إلى المزيد من البحث والابتكار من أجل تطوير تقنياتها لجعلها الخيار الأفضل. «للعلم» تستعرض في الملف التالي نتائج عدد من الأبحاث العلمية التي أُجريت بغرض تحقيق قدرة وميزة تنافسية لهذا المورد المتجدد.

 
 

تُعَد الشمس مصدرًا غير ناضب للطاقة النظيفة؛ فكمية الإشعاع الذي تبثه في الساعة الواحدة مُحمَّلة بطاقة تكفي احتياجات البشر عامًا كاملًا، ما يجعلها موردًا جذابًا من الناحية البيئية والاقتصادية.

وعلى الرغم من ابتكار الخلايا الشمسية، الوسيلة التقنية المنوط بها تحويل السطوع الشمسي إلى تيار كهربي، في النصف الثاني من ثلاثينيات القرن الماضي، إلا أن الكُلفة وكفاءة المردود ظلَّا عائقَين أمام قدرتها على منافسة الوقود الأحفوري.

تصَنّع جميع الخلايا الشمسية تقريبًا من رقائق السيليكون البلوري بسُمْك 150 ميكرومترًا، وكفاءة تحويل في نطاق 17–23%، ولكن بتكلفة إنتاج عالية.

ما يثير عدة تساؤلات عن: الدور الذى يمكن للتكنولوجيا أن تؤديه في هذا الإطار؟ وكيف تؤثر الطاقة الشمسية على أسعار سوق الطاقة عمومًا، بحيث تصبح منافسًا تجاريًّا في سوق الطاقة العالمي.

مجلة «للعلم» تستعرض في هذا الملف نتائج عدد من الأبحاث العلمية التي أُجريت في معامل ومراكز بحثية كبرى متخصصة بغرض تحقيق قدرة وميزة تنافسية لهذا المورد المتجدد للطاقة.

 

 

ميزات حصرية لـ«البيروفسكايت»

في تقرير أعده “محمد منصور” تحت عنوان “خلايا شمسية بتكلفة أقل وقدرات أعلى“، يعلق “محمد حسن”، أستاذ الطاقات المتجددة بجامعتي ميدبرج الألمانية وحلوان المصرية، لمجلة «للعلم»، على “مسألة الكفاءة والتكلفة” بقوله: “حين نتحدث عن التكلفة.. لا مجال أمام حكومات العالم سوى اختيار الأرخص، ولتذهب البيئة إلى الجحيم”.

من هنا جاء التفكير في استخدام مادة البيروفسكايت المتوافرة في جميع أنحاء العالم لإنتاج خلايا الطاقة الشمسية، خصوصًا أنها تتمتع بمجموعة من الميزات الحصرية: منها خفة وزنها، ومرونتها الكبيرة، وتحمُّلها لإجهادات الشد والسحب، مع ميزة إضافية تحفيزية، ألا وهي قدرتها على إنتاج طاقة بكفاءة تقترب من 25%.

 

ولكي تصبح البيروفسكايت خيارًا واعدًا قادرًا على سد فجوة السعر والكفاءة، استخدم الباحثون تقنيات النانوتكنولوجي لتوسيع نطاق استقرارها، عبر إعادة ترتيب ذراتها باستخدام المحاكاة الحاسوبية، ليكتشفوا أن هذه العمليات أسهمت في رفع قدرتها على تحويل الشعاع الشمسي إلى طاقة كهربية، وساعدت في الوقت ذاته على مقاومة الظروف المناخية.

ووفق تصريح الفيزيائي “سيونغ هون لي” الذي قاد الدراسة المنشورة في مجلة ساينس أدفنس، نوفمبر 2016، فإن الطريقة الجديدة «تفتح الفرص الكاملة للخلايا الشمسية المصنوعة من البيروفسكايت لإطلاق الإمكانات الكاملة لها»، مشيرًا إلى أن تحسين استقرار الخلايا على نطاقات واسعة من درجات الحرارة يجعلها مثاليةً للاستخدام في الظروف القاسية، «مثل المركبات الفضائية والطائرات» على حد قوله.

في الوقت الحالي، يُستخدم سيلينيد النحاس والسيليكون في صناعة معظم الخلايا الشمسية التجارية، وهي مواد متوسطة التكلفة إلى حد ما، غير أن أقصى كفاءة تحويل لها لا تتعدى 25%، وهو ما يحد من استخدامها على نطاق واسع، خصوصًا مع التكلفة الإضافية التي يتحملها المستخدم لشراء بطاريات التخزين. وهناك أنواع أخرى من الخلايا المصنوعة من مادة «زرنيخ الجاليوم» تتعدى كفاءتها الـ30%، إلا أن سعرها الباهظ يحول دون انتشارها على مستويات واسعة.

إلا أن الميزات الحصرية لمادة «البيروفسكايت» تجعل تطبيقاتها غير محدودة؛ إذ يُمكن استخدامها كزجاج نوافذ يعزل الضوء ويولد الطاقة في الآن ذاته، أو على سطح سيارة تعمل بالطاقة الشمسية، أو حتى كوسيلة عامة لشحن الهواتف المحمولة، أو على أعمدة الإنارة، أما سعرها الزهيد فسيعطي بُعدًا اجتماعيًّا للأمر؛ إذ سيتمكن الفقراء في المناطق النائية من اقتناء خلاياهم الخاصة التي ستولد الطاقة بأرخص الأسعار.

 

 

خلايا شمسية مرنة

 

خلايا شمسية مرنة بتكلفة أقل وكفاءة أعلى، معادلة صعبة نجح فريق أمريكي في تحقيقها، ما يقود إلى أن نجد يومًا أن ملابسنا التي نرتديها، ونوافذ منازلنا الشفافة، أو حتى حوائطها تنتج الطاقة الشمسية.

وكان باحثون بقسمي الهندسة الكهربائية وعلوم الحاسب، بجامعة ميتشيجان الأمريكية، قد أعلنوا أنهم تمكنوا من تطوير خلايا شمسية عضوية مرنة، قد تلائم الملابس، ويمكن أن تكون شفافةً وتوضع في النوافذ، لإنتاج الطاقة الشمسية، بدلًا من الخلايا التقليدية الصلبة المصنوعة من السيليكون.

وعن معدل التحسُّن الذي أحدثه الفريق العلمي في الخلايا الجديدة، قال “شياو تشاو”، قائد فريق البحث، لموقعنا «للعلم» إنه “خلال العامين الماضيين، كانت كفاءة الخلايا الفولتضوئية العضوية عالقةً بين 11 و12%، وعندما نجمعها معًا، مع طلاء مضاد للانعكاس، فإننا نزيد من امتصاص الضوء وتحسين الكفاءة إلى 15%”.

“محمد السيد علي” استعرض نتائج البحث الذي نُشر في دورية “نيتشر إنيرجي” (Nature Energy)، موضحًا أن الخلايا الشمسية العضوية تستخدم الكربون في بنيتها، ما أكسبها العديد من المزايا، مقارنةً بالخلايا التقليدية “غير العضوية”؛ إذ تكون الألواح الشمسية غير العضوية المصنوعة من السيليكون مكلفة، لأنها مكونة من ألواح سميكة وضخمة الحجم وصلبة تتطلب نقاط تثبيت ثابتة.

لكن الخلايا العضوية، قليلة التكلفة، ويمكن طيها؛ إذ يمكن تصنيعها على شكل لفات رقيقة قابلة للثني والانحناء، ودمجها حول الهياكل أو داخل الملابس، وتلوينها أو حتى جعلها شفافة، لتكون جزءًا من بيئتنا المحيطة، وتلبي جميع الأذواق.

 

وعن قدرتها الإنتاجية، يتوقع الباحثون قدرتها على إنتاج الكهرباء بتكلفة تقل عن 7 سنتات لكل كيلوواط/ ساعة، أما متوسط تكلفة إنتاج الكهرباء في الولايات المتحدة فقد بلغ 10.5 سنتات لكل كيلوواط/ساعة (وحدة للتعبير عن الطاقة) في عام 2017، وفقًا لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية. ووفق الفريق البحثي، يمكن للخلايا الجديدة أن تقلل من التكلفة الإجمالية لنظام الطاقة الشمسية، ما يجعلها مصدر طاقة نظيفة في كل مكان.

 

 

معضلة التخزين

على جانب آخر، ليس توليد الطاقة من الشمس هو المشكلة الكبرى على ما يبدو، فالتكنولوجيا أصبحت موجودة منذ عقود، وجارٍ تطويرها -كما أشرنا في الأعلى- عبر العديد من المحاولات العلمية الجادة، غير أن تخزين هذه القوة بكفاءة كان -ولا يزال- تحديًا كبيرًا.

إن تطوير طرق جديدة لإنتاج حرارة أكثر من ضوء الشمس؛ بهدف تقليل انقطاع الكهرباء الذي يمثل أحد أكبر عيوب الطاقة الشمسية في شبكة الطاقة الكهربائية، كان أحد أهداف وكالة الفضاء والطيران الألمانية بكولونيا في ألمانيا DLR، فتخزين الطاقة الشمسية هو إحدى سبل جعلها عضوًا منتجًا ومكوِّنًا فعالًا من مكونات شبكة الكهرباء.

ولا تزال تكنولوجيا البطاريات لتخزين الطاقة غير ملائمة حتى الآن لتوفير الطاقة الشمسية في جميع الأوقات، سواء من حيث التكلفة أو الأداء، لذا، وللإبقاء على تدفق الإلكترونات، حتى في أوقات اختفاء الشمس، يفتش كثير من الباحثين -على نحوٍ متزايد- عن طرق أفضل لالتقاط الطاقة الحرارية وتخزينها، وذلك بواسطة محطات مركِّزة لأشعة الشمس، وكذلك أنظمة تخزين مستقلة في الشبكة الكهربائية.

 

إن من شأن هذا النظام أن يسهِّل من المنافسة المباشرة مع مولدات الكهرباء التي تعمل بالفحم والغاز الطبيعي، وأن يخفف من وطأة الانقطاع على مرافق التوليد، التي عليها أن تزيد من إنتاجها في الأيام الغائمة، وأن تبيع الكهرباء أحيانًا بأسعار سالبة في الأيام المشمسة والعاصفة.

ولكن هذه المحطات تتصف بارتفاع تكلفة إنتاج الطاقة الكهربائية مقارنةً بالخلايا الكهروضوئية، وفقًا لقول “توماس باور”، رئيس فريق تكنولوجيا العمليات الحرارية في DLR.

 

تستخدم محطات توليد الكهرباء بالطاقة الشمسية، مرايا لتركيز أشعة الشمس على برج مركزي لتوليد حرارة شديدة، تعمل على إنتاج بخار يدير توربينات، أو يسخِّن مادةً تستطيع الاحتفاظ بالسخونة إلى حين الحاجة إليها. ومن تلك المواد الملح المصهور. يقول باور: “يكمن نصف تكلفة تلك المنظومة في الملح المصهور، فإذا ادخرنا نصف ذلك الملح، أمكننا تخفيض الإنفاق بشكل كبير. وهذا هو هدفنا عادة”.

ولتحقيق هذا الهدف، يُجري الباحثون تجارب على مواد تخزين حراري جديدة، يمكن أن تسخَّن حتى 1000 درجة مئوية، وأن تحتفظ بالحرارة مدةً أطول.

ويُجري الباحثون، في المركز الألماني أيضًا، تجارب على خلطات ملح جديدة، وقد بنوا مرفق اختبار لمراقبة أدائها، مزودًا بوسائل تحقُّق، مثل الصمامات وأجهزة الاستشعار والخزانات. ويمكن لهذا العمل المخبري أن يساعد على خفض التسعيرة المعلَنة لمحطات توليد الطاقة الحرارية الشمسية، وفقًا لباور.

 

مبخرات شمسية ثلاثية الأبعاد

تنطوي أنظمة تجميع الطاقة الشمسية الحالية على فقد كميات كبيرة من الطاقة. ولهذا السبب يعمل العلماء في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست) على توليد الحرارة الشمسية باستخدام مبخرات ثلاثية الأبعاد، قاموا بتطويرها على شكل أكواب، بحيث يمكنها أن تمتص أشعة الشمس بكفاءة.

استخدام الطاقة الشمسية في تحلية مياه البحر أحد المحاور المهمة في هذا الإطار. وتعتمد عملية تحلية مياه البحر على تجميع الطاقة الشمسية عن طريق تحويل ضوء الشمس إلى حرارة، ويتم ذلك في الحالة النموذجية باستخدام هياكل خاصة ثنائية الأبعاد تُسمى بالمبخرات الشمسية، وتقوم هذه الهياكل بتجميع الطاقة من الشمس.

ووفقًا للدراسة المنشورة في دورية “جول” 1Joule، يمكن أن تحافظ جدران الأشكال الجديدة على درجة حرارة أقل من درجة حرارة البيئة المحيطة، وهو ما يمكِّن هذه الجدران من استخلاص المزيد من الطاقة من البيئة المحيطة.

إن هذا العمل لا يسجل فقط التوصل إلى كفاءة غير مسبوقة في توليد الحرارة (تصل إلى 100٪ تقريبًا)، ولكنه -علاوة على ذلك، وكما يقول الباحثون- له القدرة على إحداث تحوُّل نوعي في أبحاث الطاقة الشمسية نحو المواد ثلاثية الأبعاد.

 

يقول “بينج وانج”، الأستاذ المشارك في العلوم والهندسة البيئية بجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، وأحد مؤلفي هذه الدراسة، لـ”أُمنية جوهر”، مراسلة موقع نيتشر ميدل إيست: “إن التحول إلى ثلاثية الأبعاد هو الاتجاه المستقبلي بالنسبة للمواد الضوئية الحرارية”.

ويعمل وانج وزملاؤه حاليًّا على رفع مستوى نموذجهم من أجل اختباره في العديد من التطبيقات. كما يعتزم الفريق إعادة النظر في تصميم النظام التقليدي وإيجاد طرق جديدة لاستعادة الطاقة المفقودة وإعادة تدويرها.

 

اقرأ في الموقع