«البطاريات الفائقة».. قفزة أخرى جديدة إلى الأمام

تُستخدم في العديد من التطبيقات كالهواتف والحواسيب المحمولة التي يتم شحنها في عدة ثوانٍ، أو في تخزين الطاقة الكهربائية التي يتم توليدها من الشمس أو الرياح.

 

 

 

 

في ظل الاحتياج الدائم للطاقة الكهربائية، يبرز دور مهم للبطاريات في توفير الطاقة في أي مكان وبأي وقت. إلا أن ذلك الأمر منوط بالقدرات المحدودة لأنواع البطاريات المستخدمة حاليًّا في تخزين الطاقة الكهربائية وإعادة شحنها.

 

 

 لكن يبدو أن هناك أملًا جديدًا يلوح في الأفق، عبر اكتشاف علمي جديد، قد يُسهم في ابتكار بطاريات بإمكانيات فائقة، ترتكز على خصائص المكثفات الفائقة (Supercapacitors).

 

 

فريق من الباحثين بجامعتي “سري” و”بريستول” البريطانيتين، بالتعاون مع شركة “سوبرداي إليكتريك” نجح في تطوير مواد بوليميرية جديدة للمكثفات الفائقة، لها خواص كهربائية أفضل بمقدار 1000 إلى 10000 مرة من تلك المستخدمة حاليًّا. الأمر الذي يعني إمكانية استخدامها في صناعة بطاريات ذات خصائص فائقة، ستهدد بطاريات أيون الليثيوم المتربعة حاليًّا على عرش وسائل تخزين الطاقة الكهربائية.

 

 

 

هذا ما يؤكده “إيان هامرتون” -الباحث في مجال البوليمرات بجامعة بريستول البريطانية، وأحد المشاركين في ذلك الاكتشاف- في تصريح خاص لـ”للعلم”، قائلًا: “البوليمرات الجديدة تُظهر إمكانيات استثنائية في تخزين الطاقة الكهربائية”.

 

مشكلة تبحث عن حل

يعود استخدام المكثِّفات الفائقة في صناعة البطاريات إلى عام 2011، عندما أعلنت شركة “تسلا” للسيارات الكهربائية -المملوكة لـ”إيلون ماسك”- أن هذه التقنية هي مستقبل البطاريات المستخدمة في السيارات الكهربائية، إذ تمتاز بإمكانية شحنها بسرعة هائلة، ولعمر طويل للغاية، كما أنها أكثر أمانًا. إلا أن العائق الأساسي الذي يحول دون استخدامها هو أن كثافة طاقتها قليلة للغاية.

 

 

وبعبارة أخرى فإن كيلوجرامًا واحدًا من المكثِّفات الفائقة ينتج طاقةً كهربائيةً تُقدر بحوالي 5% فقط من الطاقة الكهربائية الناتجة من كيلوجرام واحد من بطاريات أيون الليثيوم المستخدمة حاليًّا! لذا فإن التحدي الرئيسي لاستخدام تلك التقنية في صناعة البطاريات هو زيادة كفاءة كثافة الطاقة للمكثِّفات الفائقة.

وتوفر البطاريات التي تخزن الطاقة في التفاعلات الكهروكيميائية كثافةً عالية التخزين، لكنها بطيئة نسبيًّا عند الشحن أو التفريغ، مما يحدّ من استخدامها. وتقوم المكثفات الكهروكيميائية أو “المكثفات الفائقة” بتخزين الشحنة الإلكترونية عند الواجهة بين القطب الكهربي والمحلِّل بالكهرباء electrolyte، وهي وسيلة لتخزين الطاقة بسرعة أكبر، لكن سعتها أقل كثيرًا.

 

 “إن حلم العلماء هو الوصول إلى وسيلة لتخزين الطاقة تجمع بين ميزتي السعة التخزينية العالية –كما في بطاريات أيون الليثيوم– بجانب شحنها بسرعة وفي وقت قصير –كما هو الحال في المكثفات الفائقة”.

 

 “لقد حال التقدم البطيء الذي أحرزه العلم في تطوير مواد يمكن استخدامها لصناعة مكثفات فائقة توفر تلك المميزات دون الوصول إلى ذلك الحلم”.

 

تتكون المكثفات الفائقة بشكل عام من أقطاب ومحاليل كهربائية يمكنها شحنها وتفريغها بسرعة هائلة. والأنواع الموجودة منها حاليًّا لها سعة كهربائية ضئيلة تبلغ 0.3 فاراد لكل سنتيمتر مربع، وبكثافة طاقة توفر 7 وات ساعة من الكهرباء لكل كيلوجرام على أقصى تقدير.

لكن عبر استخدام بوليمرات من مواد كارهة للماء، نشطة كهربائيًّا كمحاليل كهربائية، تمكَّن الفريق البحثي من تطوير مكثفات فائقة تمتلك سعة كهربائية تبلغ 4 فاراد لكل سنتيمتر مربع، وذلك لدى استخدام أقطاب كهربائية رخيصة من رقائق معدنية، ويمكن زيادة سعتها لتصبح 11-20 فاراد لكل سنتيمتر مربع لدى استخدام أقطاب كهربائية من الصلب المقاوم للصدأ والمعالَج بشكل خاص.

 

 

وبذلك تصبح تلك المكثفات أكثر كثافةً بالطاقة، إذ توفر 180 وات ساعة من الكهرباء لكل كيلوجرام، وذلك مقارنةً ببطاريات أيون الليثيوم الحالية التي توفر حوالي 100 وات ساعة من الكهرباء لكل كيلوجرام فقط. هذا ويحتفظ الفريق البحثي بمزيد من التفاصيل إلى أن يتمكنوا من الحصول على براءة اختراع لابتكارهم، ومن ثَم نشر أوراقهم البحثية، وفقًا لهامرتون.

 

الصدفة تأتي لمن يستحقها

إن اكتشاف البوليمرات الجديدة جاء وليدَ الصدفة، كما يوضح هامرتون: “بدأنا مشروعنا البحثي عام 2014 بهدف تطوير مواد بوليميرية مرنة وموصلة للكهرباء، يمكن استخدامها في التطبيقات الطبية كالأجهزة التعويضية، إلا أنه لدى اكتشاف الخواص الكهربية الفائقة لتلك البوليمرات، قمنا بتغيير بوصلتنا البحثية صوب استعمالها لصناعة مكثفات فائقة يمكن استخدامها لتطوير صناعة البطاريات”.

 

 

وقد تمكَّن الفريق البحثي من تطوير نماذج أولية لبطاريات بتلك التقنية الجديدة تعمل بالفعل، جرى الكشف عنها نهاية فبراير المنصرم، إذ قام العلماء بتطوير بطارية تتكون من خلية ذات طبقة واحدة، يمكن لدى شحنها لعدة دقائق أن تقوم بتشغيل موتور صغير أو مروحة كهربائية ذات فرق جهد 1.5 فولت.

كما قام العلماء بتطوير بطارية ذات ثلاث خلايا متصلة على التوالي، يتم شحنها بسرعة لتشغيل مصباح من الديودات المصدرة للضوء الأبيض (LED)، أو ما يُعرف بالمصباح الليد ذي فرق جهد 5 فولت.

 

 

إن استخدام المكثِّفات الفائقة الجديدة في صناعة البطاريات يعد بالكثير من الآمال، إذ إنها بجانب كثافتها الكبيرة بالطاقة يمكن شحنها بسرعة فائقة للغاية مقارنة بالبطاريات الحالية، كما أنها ذات عمر أطول ويمكن شحنها عدد مرات أكثر كثيرًا، بالإضافة إلى أن تكلفة إنتاجها رخيصة؛ إذ لا تعتمد في تصنيعها على عناصر نادرة كالكوبالت، وأخيرًا فهي أكثر أمانًا؛ إذ إنها تعتمد على الماء بشكل أساسي، وبالتالي فهي لن تشتعل أو تنفجر كبعض البطاريات الموجودة حاليًّا.

 

المحمول والسيارات الكهربائية

ويُعوَّل على استخدام تلك البطاريات ذات المواصفات الخارقة في العديد من التطبيقات، مثل صناعة أجهزة محمولة كالهواتف والحواسيب التي يتم شحنها في عدة ثوان، أو في تخزين الطاقة الكهربائية الخضراء التي يتم توليدها من الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح ليتم استخدامها حال غياب الشمس أو الرياح، ومن ثَم يمكن الاعتماد على تلك الطاقة النظيفة المستدامة بصورة أكبر.

 

 

إلا أن الاستخدام الأهم لتلك البطاريات الموعودة سيكون في السيارات والمركبات التي تعمل بالكهرباء، والتي سيتم شحنها في عدة دقائق بدلًا من ساعات عديدة، لتسير مسافات طويلة يجعلها مكافئةً لتلك التي تعمل باستخدام الوقود البترولي. الأمر الذي سيُعَد نقلةً نوعيةً في عالم السيارات الكهربائية.

لكن هناك عددًا من العوائق يجب التغلب عليها أولًا لبلوغ تلك التطبيقات، كما يشدد القاضي: “التحدي الرئيسي لتطوير تلك البطاريات هو نقلها من المعمل إلى حيز الصناعة؛ إذ إن الصلب المقاوِم للصدأ لا يُعَد مادةً قياسيةً من وجهة نظر الصناعة، لذا فإن استخدامه في الأقطاب الكهربائية لتلك المكثِّفات الفائقة قد يتسبب في مشكلة لدى تطوير تلك البطاريات على نطاق الصناعة لإنتاجها بشكل تجاري”.

 

الأمر الذي يؤكده هامرتون قائلًا: “إن فريقنا البحثي يركز جهوده حاليًّا على مواجهة التحديات والعوائق؛ لتطوير بطاريات على نطاق صناعي يمكنها تشغيل أجهزة كبيرة، وذلك من خلال تطوير أقطاب كهربائية متوافقة مع البوليمرات الجديدة التي قمنا بتطويرها بغرض استخدام سعة التخزين الكهربائية الهائلة تلك بشكل كامل”.

 

 

“إن المشكلة الرئيسية الثانية التي تواجه استخدام المكثِّفات الفائقة في البطاريات هي التفريغ الذاتي؛ إذ إن تلك البطاريات تفقد 20% من الطاقة الكهربية المخزَّنة بها خلال يوم واحد من عدم الاستخدام، بينما تفقد بطاريات الليثيوم ما بين 2 إلى 5% من طاقتها فقط خلال شهر من عدم الاستخدام”.

 

“بجانب هذا، فإن الأمر لا يقتصر فقط على تطوير بطارية بإمكانيات فائقة، بل يمتد إلى توفير بنية تحتية ملائمة لشحن تلك البطاريات ذات السعة الكبيرة وزمن الشحن القصير من محطات شحن فائقة وشبكة كهرباء وأسلاك ذات مواصفات خاصة”.