أليكسا، ماذا فعلتِ بالمعلومات الشخصية ؟

تطبيقا أليكسا وجوجل أسيستانت والعديد من تقنيات البيوت الذكية تثير مخاوف بشأن الخصوصية رغم ما تقدمه من تيسيرات

 

 

تطبيقا أليكسا وجوجل أسيستانت والعديد من تقنيات البيوت الذكية تثير مخاوف بشأن الخصوصية رغم ما تقدمه من تيسيرات

 

شهد معرض الإلكترونيات الاستهلاكية الذي أقيم في لاس فيجاس في الأول من يناير الماضي الكثيرَ من الصخب والجدل حول المنتجات الجديدة من تقنيات “البيوت الذكية” التي تعمل بالتحكم الصوتي. وأخذت عشرات الشركات تروِّج لأجهزة التليفزيون ومفاتيح الإضاءة ومنظِّمات الحرارة ومِرشّات الاستحمام، بل و”المراحيض الذكية” التي تعمل جميعها بالصوت، وتعتمد على تطبيقات المساعدة الرقمية من شركات أمازون وجوجل وأبل وسامسونج باعتبارها واجهاتٍ رئيسيةً لها.

 

 

وإذا كانت الدعاية التسويقية الصاخبة للتكنولوجيا العصرية ليست بالأمر الجديد تمامًا في معرض الإلكترونيات الاستهلاكية، فإن الولع بالتحكم الصوتي يستدعي نظرةً مدققة على ما تستطيع التكنولوجيا (وما لا تستطيع) أن تفعله، فضلاً عن المخاوف الجلية بشأن الخصوصية من الشركات التي تجمع البيانات باستمرار من كل غرفة في منزلك تقريبًا.

 

 

تعتمد تطبيقات المساعدة الرقمية الصوتية مثل أمازون أليكسا Amazon Alexa وجوجل أسِّيستانتGoogle Assistant وغيرها على تقنية التعرف على الصوت speech-recognitiontechnology في تفسير الأوامر وتحديد الاستجابات الملائمة. وهذه التطبيقات المساعدة مدمجة منذ عدة سنوات في هواتف “آيفون” وفي العديد من الهواتف الذكية المختلفة التي تعمل بنظام أندرويد. والآن أخذت هذه التقنية منحى أوسع، فالصوت هو الوسيلة الوحيدة للتواصل مع “مكبرات الصوت الذكية” المدمجة في تطبيقي “أمازون إيكو” و”جوجل هوم” اللذَين أطلقا مؤخرًا، واللذَين يُستخدمان في البحث في الويب والتحكم في الأجهزة الأخرى.

 

تُحَوِّل برامج التعرف على الصوت الموجات الصوتية التي يحتويها صوت الشخص، الذي يلتقطه الميكروفون، إلى أنماط اهتزاز مختلفة. ثم تستخدم لوغاريتمات البرنامج تقنيات التعلُّم الآلي لتدريب الجهاز على تحديد تلك الأنماط على هيئة كلمات وعبارات. وكلما زاد مقدار ما تفهرسه اللوغاريتمات من لغةٍ منطوقة، زادت كفاءتها في تفسير الكلام. وبإضافة خصائص ومزايا مثل النظام العالمي لتحديد الأماكن، وبرامج الخرائط، والبيانات التي تجمعها الكاميرات، وأجهزة قياس التسارُع وغيرها من أجهزة الاستشعار، تبدأ تطبيقات المساعدة الصوتية -مثل أليكسا، أو “سيري” من شركة أبل- في تكوين سياق يساعدها، مثلًا، على أن تقترح عليك مطعمًا قريبًا، وأن توفر لك اتجاهات القيادة لإيصالك إلى هذا المطعم.

 

تزايُد الطلب

ازداد الطلب على هذه التقنية رغم أوجُه القصور فيها، ومنها صعوبة التقاط الأوامر في غرفةٍ مَلأَى بالضوضاء، واستيعاب اللكنات. وفي دراسة استقصائية أجراها مركز بيو للأبحاث في ديسمبر الماضي وشارك فيها 4135 شخصًا، قال أغلب المشاركين إن تطبيقات المساعدة الرقمية الصوتية تستجيب بدقة لأوامرهم في أغلب الأحيان (39 في المئة)، أو “في بعض الأحيان” (42 في المئة). أما 16 في المئة من المشاركين فقالوا إن التطبيقات المساعِدة “قلما” تستجيب بدقة لأوامرهم.

 

يرى أندرو ماكستاي، أستاذ الحياة الرقمية في كلية الدراسات الإبداعية والإعلام في جامعة بانجور بويلز، أن الميزة الكبرى لهذه التقنية في الوقت الحالي تكمن في قدرتها على تزويد المستخدمين بالمعلومات أو التسلية تزويدًا يكاد يكون فوريًّا. ويضيف قائلًا: “تؤدي تطبيقات المساعدة الرقمية الصوتية إلى انتفاء الحاجة إلى كتابة الطلبات، ومن ثَم فهي شكلٌ طبيعي وسلس للتفاعل”. لكن “ماكستاي” يستدرك بقوله إن الأجهزة تفتقر في بعض الأحيان إلى الاستيعاب اللازم لسياقِ ما يحاول الشخص أن يقوله، الأمر الذي “يمكن أن يبعث على الكثير من الإحباط”.

 

 

ويتفق موراي جولدن -زميل أبحاث أول في كلية علم الاجتماع والسياسة الاجتماعية بجامعة نوتنجهام في إنجلترا- مع فكرة أنه لا تزال ثمة ضرورة للعمل على تدارك بعض المشكلات الصغيرة قبل أن تصبح تطبيقات المساعدة الرقمية الصوتية مفيدةً بقدر شاشات اللمس. ويقول: “الخبرة الرئيسية التي اكتسبتها بعد استخدام تطبيق أليكسا في منزلي مدةَ يومين هي أني كنت أطلب من الأطفال الهدوء حتى أستطيع التواصل مع [الجهاز]. إن تقنية التعرف على الصوت في أليكسا مبهرة، لكنها تصبح عديمة الجدوى إذا كانت هناك أي ضوضاء محيطة”. ويبدو أن التقنية، على حد قول جولدن، مصممة للأفراد، ولكن “لا يكون الأمر بالضرورة بنفس الديناميكية عندما تُجلب التقنية إلى داخل البيت”.

 

 

بغض النظر عن عيوب التقنية، أعلنت شركة جوجل قُبيل بدء معرض الإلكترونيات الاستهلاكية أن تطبيقها المساعد متاح الآن على أكثر من 400 مليون جهاز، ضمنها مكبر الصوت الذكي “جوجل هوم Google Home” والهواتف والحاسبات اللوحية التي تعمل بنظام أندرويد، وحتى هواتف “آيفون”.

 

وتقول الشركة إنها باعت “عشرات الملايين” من مكبرات الصوت الذكية “جوجل هوم” و”هوم ميني” و”هوم ماكس” في عام 2017، ويمكن استخدام التطبيق المساعد في التحكم في أكثر من 1500 جهاز من أجهزة البيوت الذكية مثل أجهزة تنقية الهواء، وأجهزة الطهي الدقيق بضبط درجة الحرارة، وأنظمة الإنذار. أما شركة أمازون فتزعم أنها باعت “عشرات الملايين” من الأجهزة المزودة بتطبيق أليكسا في جميع أنحاء العالم، خلال موسم عطلات عام 2017 فحسب. وخلال تلك الفترة، وفق تصريحات الشركة، ساعد تطبيق أليكسا المستخدمين في إعداد آلاف مشروبات الكوكتيل، وفتح أضواء زينة العطلات وإغلاقها، والبحث في الويب عن وصفات الطهي، وموسيقى العطلات وطُرَفِها.

 

 

الخسائر

المعلومات التي علمتها شركة أمازون عن عملائها هي -مع ذلك- كاشفة أكثر مما طُلِب من تطبيق أليكسا أن يفعله. إذ أظهرت البيانات التي جمعها تطبيق أليكسا أن مشروبي المارتيني والمانهاتن هما أكثر المشروبات التي طلبها المستخدمون، وأن كعك رقائق الشوكولاتة كان أكثر وصفة مطلوبة، وأن أغنية “جينجل بيلز” هي أكثر أغنية مطلوبة. كذلك أَطلعَ تطبيقُ أليكسا شركةَ أمازون على أن أكثر مَن نودي في موسم العطلات الأخير هو الأم في الولايات المتحدة وألمانيا والأب في المملكة المتحدة. جمع تلك المعلومات لا يمثل بالضرورة عملًا شائنًا، ولكنه بالتأكيد يساعد شركة أمازون في تسويق منتجاتها على موقع التسوق التابع لها.

 

 

الواجهات الصوتية، كما يقول ماكستاي، هي الوسيلة التي يمكن لشركات أمازون وجوجل وأبل أن تجمع بها المعلومات، ليس فقط حول تفضيلات التسوق وغيرها من الأنشطة على الإنترنت، وإنما أيضًا حول مسلك المستخدمين وتفاعُل بعضهم مع بعض حتى في البيت. وأضاف قائلًا: “تعرف هذه الشركات بالفعل ما نفعله على الإنترنت ومتى نتخذ قرارات الشراء”.

 

 

لا تمثل مخاوف الخصوصية بالضرورة خطبًا جللًا لدى مستهلكين عديدين، لكنها بالتأكيد ستتزايد مع انتشار التقنية. فقد أعلنت شركة أبل عن مكبر الصوت المنزلي الذكي “هوم بود HomePod في يونيو الماضي وتهدف إلى بدء بيعها في العام الجاري. وأدمجت الشركة بالفعل تطبيق “سيري Siri” في عدد من منتجاتها بما في ذلك الحاسب اللوحي “آيباد” والحاسب الشخصي “ماك” وجهاز “أبل تي في”.

 

وطرحت شركة سامسونج المساعد الرقمي الصوتي “بيكسبي Bixby” في العام الماضي، كما تخطط لدمج التقنية في كل أجهزتها بحلول عام 2020. وتحتوي ثلاجة “فاميلي هاب Family Hub -المبرد الذكي الذي طرحته سامسونج في معرض الإلكترونيات الاستهلاكية- على المساعد الرقمي الصوتي “بيكسبي” بالإضافة إلى شاشة باللمس للتحكم في كاميرا داخلية ترسل تنبيهات إلى أفراد الأسرة المعيشية عندما تحتاج إلى إعادة تزويدها بالأطعمة والمأكولات. وطرحت شركة “موين” المُصنِّعَة للصنابير وغيرها من أدوات السباكة في معرض الإلكترونيات الاستهلاكية نظام مِرَش الاستحمام الرقمي بسعر 1200 دولار، الذي يمكن التحكم في درجة حرارة مياهه وتدفقها باستخدام الأوامر الصوتية عن طريق تطبيق أليكس أو سيري.

 

 

 

أما شركة متاجر كوهلر” لبيع السلع المنزلية بالتجزئة، فقد نقلت الأمور خطوةً أخرى قُدُمًا بطرح المرحاض الذكي “نومي Numi” الذي يشتمل على إضاءة محيطة بألوان مختلفة تعمل بالتحكم الصوتي، ومزودة بتقنية الاتصال بالبلوتوث، ومقعد مُسَخِّن ومُدَفِّئ للقدمين.

 

أقل ما يقال إن كل هذه المنتجات قد تبدو منتهكةً للخصوصية، لكن شركتي أمازون وجوجل من جانبهما تصران على أن مكبراتهما الذكية لا تسجل الأصوات حتى يخاطبها شخصٌ ما مباشرةً باستخدام “كلمة تنبيه” مثل “أليكسا” أو “أوكي جوجل”. ومن الممكن “تنبيه” مثل هذه الأجهزة عَرَضًا، مما يعني أن الأوقات التي تستمع فيها لما يدور حولها ليست دومًا واضحة.

 

ويقول جولدن إنه ليس واضحًا كذلك الطريقة التي ستستطيع بها العائلات التحكم بسهولة في البيانات التي تجمعها مكبرات الصوت هذه من البيت، ويستطرد قائلًا: “لا يمكنك أن تتحكم في الوصول لتلك البيانات بالطريقة المتبعة في الماضي مثل كلمات المرور المرتبطة بحساب مستخدم بعينه. فليس واضحًا مَن الذي سيكون له حق الاطلاع على أيِّ نوعٍ من البيانات، لأن أفرادًا متعددين ومختلفين في المنزل يُسهِمون في هذه البيانات. فحدود الخصوصية بيننا وبين أولئك الذين يعيشون معنا معقدة، فهي تتسم بدقة بالغة، وهي كذلك متغيرة باستمرار، مثلما يحدث عندما يكبر الأطفال ويصبحون شبابًا راشدين”.

 

SRC